الفاروق يتعالى على شهوات النّفس - صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم


صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم

صحيفة عرعر اليوم





 

07-13-2010 01:27 AM

د / ابراهيم حصيان
د / ابراهيم حصيان


الفاروق يتعالى على شهوات النّفس



قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواقف بديعة , أدهشت قرآء التَّاريخ , بما تحمله من معاني العظمة والشموخ , فحياته رضي الله عنه مليئة بالدّروس الموقظة, والعبر الملفتة , والجوانب المضيئة التي تدعونا للتفكّر , والتدبّر , والتأثّر ,
فهو رضي الله عنه من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم , ينهل من مشكاة الوحي , ويسير على هداه , وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم بتتبع سنته , واقتفاء أثره : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) ,
أيها الإخوة: بين يدي هذا الموقف الذي يتعالى فيه الفاروق رضي الله عنه على شهوات النفس , وهو قادر أن لا يفعل ولن يلام , فهو الخليفة صاحب المقام , ولكن النفوس الأبية , ذات الهمم العلية لا ترضى من زاد الخير بالدُّون .
الموقف:
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ , قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُتْبَةُ أَذْرَبِيجَانَ , أتي بِالخَبِيصِ فَذَاقَهُ , فَوَجَدَهُ حُلوًا، فَقَالَ: لَوْ صَنَعْتُمْ لأََمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا، قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ : سَفَطَيْنِ عَظِيمَيْنِ، ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ مَعَ رَجُلَيْنِ , فَبَعَثَ بِهِمَا إلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ , قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: خَبِيصٌ ، فَذَاقَهُ , فَإِذَا هُوَ حُلوٌ ، فَقَالَ: أَكُلَّ المُسْلِمِينَ يُشْبِعُ مَنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَرُدَّهُمَا، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّ أَبِيك, وَلاَ مِنْ كَدِّ أُمِّك , أَشْبِعْ المُسْلِمِينَ , مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِك .
إسناده صحيح ، رواه ابن أبي شيبة في مصنفه , واللفظ له (32917) ، ورواه مسلم في صحيحه (2069) مختصراَ .
وفي رواية: عن عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ , قَالَ: قَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ؛ بِسِلاَلِ خَبِيصٍ عِظَامٍ مَمْلُوءَةٍ، لَمْ أَك أَحْسن وأجيد، فَقَالَ : مَا هَذِهِ؟ فَقُلت : طَعَامٌ أَتَيْتُك بِهِ، إنَّك رجل تَقْضِي مِنْ حَاجَاتِ النَّاسِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِذَا رَجَعْت أَصَبْت مِنْهُ، قَالَ: اكْشِفْ عَنْ سَلَّةٍ مِنْهَا، قَالَ: فَكَشَفْت، قَالَ: عَزَمْت عَلَيْك إذَا رَجَعْت , أَلاَ رَزَقْت كُلَّ رَجُلٍ مِنْ المُسْلِمِينَ مِنْهَا سَلَّةً قَالَ: قُلت: وَاَلَّذِي يصْلُحُك يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنْفَقْت مَالَ قَيْسٍ كُلَّهُ , مَا بَلَغَ ذَلِكَ، قَالَ: فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ ، ثُمَّ دَعَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ مِنْ خُبْزٍ خَشِنٍ , وَلَحْمٍ غَلِيظٍ , وَهُوَ يَأْكُلُ مَعِي أَكْلاً شَهِيًّا ، فَجَعَلت أَهْوِي إلَى البِضْعَةِ البَيْضَاءِ أَحْسِبُهَا سَنَامًا , فَأَلُوكُهَا , فَإِذَا هِيَ عَصَبَةٌ، وَآخُذُ البِضْعَةَ مِنْ اللَّحْمِ , فَأَمْضُغُهَا فَلاَ أَكَادُ أَسِيغُهَا، فَإِذَا غَفَلَ عَنِّي , جَعَلتهَا بَيْنَ الخِوَانِ وَالقَصْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُتْبَةُ، إنَّا نَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، فَأَمَّا وَدَكُهَا وَأَطَائِبُهَا فَلِمَنْ حَضَرَ مِنْ آفَاقِ المُسْلِمِينَ، وَأَمَّا عُنُقُهَا فإلى عُمَرَ.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (32918) واللفظ له ، ورواه هناد بن السّري في الزهد (695). وتقدم قريباً من وجه آخر عند مسلم .
تأمَّل الموقف:
تجلب الأطباق الشهية , العظيمة المليئة بما لذ وطاب , مما تشتهيه النفس , وتسر به العين , بل ربما لا يستطيع الإنسان إلى تمالك نفسه من ذوقها , وتناولها , لما فيها من الجاذبية , والإغراء .
يجلب (الخبيص) وهو طعام مخلّط , لذيذ , متعدد المقادير , حلو الطعم , إلى الفاروق محملا بأطباق كبيرة من أَذَرْبيجَان ـ وهي مملكة عظيمة فيها خيرات واسعة , وفواكه جمَّة , فتحت في خلافته رضي الله عنه , وهي اليوم استقلت من روسيا , وغالب أهلها مسلمين ــ ,
أهداه له قائد الجيش ، وهو يطلب البرَّ بأمير المؤمنين , لما يرى فيه من البذل والتوجيه , والمتابعة , ولما وجد في نفسه من الحب الكبير لهذه الشخصية الفريدة, التي كان لها الدور المساند في النصر , فَقَالَ: لَوْ صَنَعْتُمْ لأََمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا ؟ بعد أن أعجبه طعمه ,
ثم وضعه في سِفْطَيْن (وعائين) وفي رواية سِلال , وحملها على بعيرين , وكتب معها حَثَّا للقبول , كتب لعمر: \"إنَّك رجل تَقْضِي مِنْ حَاجَاتِ النَّاسِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِذَا رَجَعْت أَصَبْت مِنْهُ\" , أي إن هذا الطعام الحلو يعينك , ويقويك على التحمل ,
فلما قُدِّم له الطعام كان أول سؤال :
هل كلُّ المسلمين سيتناولون مثله ؟
أََكُلُّ المُسْلِمِينَ يَشْبِعُ مَنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ ؟
فلما أخبر أنه ليس بالإمكان إشباع المسلمين من هذا النوع , لأنه يحتاج إلى تكاليفَ باهظة , وأن هذه وجبة خاصة بالخليفة , ولا يمكن توفيرها للجميع ,
لم يستطع أن يمدَّ يده حتى لفضول التذوق فضلا عن الأكل , مع أنه طعام قدم له من قائد الجند , وطابت به نفوس القوم لتقديمه له , وقطعت من أجله المسافات , ولكن صاحب النفس العالية المتعالية على هواها , وملذاتها لم تستسلم للرغبات ,
لم ينشغل الفاروق بملذات البطن , وهو يتحمل مسؤولية المسلمين ,
لا تطاوعه نفسه بالتميز على عامة الناس فضلا أن يتميز على فقراءهم ,
لقد أخذ منه هاجس المحاسبة الربانية كل مأخذ , فلم يرض لنفسه أن يتناول شيئاً لا تطاله أيدي المسلمين ,
وعندها قدَّم الفاروق عتابه القويّ المؤثر الذي لا يتمالك سامعه إِلا الإِذعان لقوة حجته , وصدق معناه , ووقع تأثيره ,
قال له:
\"فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّ أَبِيك, وَلاَ مِنْ كَدِّ أُمِّك , أَشْبِعْ المُسْلِمِينَ , مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِك\".
فيا ألله وجبة طعام لم يتساهل معها ؟!! ,
فكيف لمن أذنت لهم نفوسهم التطاول على أموال المسلمين , وأكل حقوقهم بغير وجه حق ؟!
عمر خاف من التوسع في المباح , وغيره للحرام استباح ,
عمر لا يريد التميز عن الرعية , وغيره أشغله كبره وغيّه ,
أين منّا تفهم هذا المثال ؟ الذي يستغنى به عن كثير من المقال ؟
وفي الموقف أيضا :
لم يأكل من طعام الثَّريد , واللحم الذي يقدم من بيت المال للفقراء , والوافدين, فيتركهم يتلذذون بالطعام الشهي , ويرضى بطعامه الخشن , ومادته: الخبز الغليظ والزيت ,
خلبفة المسلمين من ملك الأرض من أقصاها إلى أقصاها يأكل الخبز الخشن والزيت , وإن أكل من اللحم اختار لنفسه الرديء (الرقبة ) , الذي يصعب مضغه , وترك للمسلمين الطّيب , واللّين !!! ,
جوع الخليفة و الدنيا بقبضته **** في الزهـد منزلـة سبحـان موليهـا
فمن يباري أبا حفص و سيرته **** أو مـن يحـاول للفـاروق تشبيهـا

لقد قدم للأمة درساً في عفة النفس , وفي المساواة بين الراعي والرعية , وفي الورع عن يسير الشبه , فمتى نستفيق ونستن بسنته رضي الله عنه ؟



بقلم: د/ إبراهيم حصيَّان العنزي .
جامعة الحدود الشمالية
لصحيفة عرعر اليوم


خدمات المحتوى


التعليقات
#1045 Saudi Arabia [ناصر]
07-13-2010 03:16 AM
اللة يجزاك خير يادكتور ابراهيم
موضوع مميز
ونتمنى التواصل بجديد المقالات في عرعر اليوم التي ازدانك بطلتك البهية .
حقيقة القائمين على عرعر اليوم يستحقون الأحترام والتقدير عندما يحاولون استقطاب كتاب من جميع الفئات ويتركون للقارئ التنقل بين اقسام الصحيفة بأستمتاع دون ملل ..


#1066 Saudi Arabia [مواطن شمالي ]
07-13-2010 12:09 PM
شكرا لك يا دكتور على المقال الرائع ،،

والذي ذكرت فيه مواقف رائعة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب

وتعاليه على شهوات نفسه وهو الخليفة

عمر خاف من التوسع في المباح , وغيره للحرام استباح ,
عمر لا يريد التميز عن الرعية , وغيره أشغله كبره وغيّه ,

لعل هذا ما يختزل المقال وهو بيت القصيد ،،

فجزاك الله خير ،،

لكن اين نحن واين زمن عمر عصر صدر الإسلام الصحيح النقي ،،

وقتنا الحاضر والمعاصر مرير جدا ،،

اختلطت فيه المفاهيم والحلال بالحرام وكثر فيه الفساد ,والفتن

اتمنى التركيز على قضايا الساعة ومناقشتها وإيضاح الشبهات واللبس على الأمة

وأنت أهل لذلك لما عرفنا عنك من غزارة علمك

وجزاك الله خيرا






#1094 Saudi Arabia [ريانه]
07-14-2010 03:25 AM
مقال رااائع

استمتعت بتلك المواقف

نشكر الدكتور على طرحه الأكثر من جميل


#1119 Saudi Arabia [رائد العنزي]
07-14-2010 03:20 PM
مقال رائع استاذي

الفاروق وما ادراك من الفاروق

من هيبته هاجر إلى المدينة جهرا


#1123 Saudi Arabia [ناقد]
07-14-2010 07:27 PM
كلام رائع
فسرد مايتمتع به الخلفاء الراشدين مثل الفاروق لاهو من اجمل المواضيع والعبر بحياة المسلم






ولك فائق تحياتي د / ابراهيم حصيان واسأل الله العزيز القدير أن لا يحرمك الاجر


تقييم
5.59/10 (56 صوت)




Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

صحيفة عرعر اليوم
الرئيسية |الأخبار |المقالات |الصور |البطاقات |الفيديو |راسلنا | للأعلى