
11-04-2025 11:29 PM عرعر اليوم : "حين يتجاوز السؤال حدَّ الاهتمام"
في مجتمعاتنا العربية، يحظى التواصل الاجتماعي بمكانةٍ مرموقة، ونفخر بقيم المودّة والتلاحم والسؤال عن الأحوال.
لكن ما يغيب عن الأذهان أحيانًا، أن السؤال — حين لا يُوزَن بميزان اللباقة — قد يتحوّل من اهتمامٍ صادق إلى تطفّلٍ جارح، ومن نُبلِ قربٍ إلى فضولٍ مقيت.
يجد بعض الناس أنفسهم يتجوّلون في تفاصيل حياة الآخرين كأنها معروضةٌ للعيان، متجاوزين الخطّ الرفيع بين المشاركة والاقتحام.
تبدأ الأسئلة ببساطة: توظّفت؟ كم راتبك؟ تزوّجت؟ كم كلفك؟ عندكم أولاد؟ تأخّرتم؟ ما زلت على رأس العمل؟ ما عندك نية تتقاعد؟
ثم تمضي، دون استئذان، إلى مناطق كان الأجدر أن تبقى خلف أبوابها المغلقة.
والمؤسف أن كل ذلك يحدث تحت شعار "من باب السؤال"، وكأن النوايا الطيبة تُعفي من وقع الكلمات وآثارها.
في زمنٍ صارت فيه الخصوصية ضرورةً لا رفاهية، علينا أن نُعيد تعريف ثقافة السؤال، وأن نُميّز بوعيٍ بين ما يُقال بدافع الاهتمام، وما يُقال بدافع الفضول أو التدخّل، مهما كان مغلّفًا بابتسامة.
فاللباقة لا تعني الصمت، بل تعني اختيار الوقت والسياق والنية.
وخصوصيات الناس ليست مادةً لمجالس الثرثرة، ولا لنشرات الأخبار.
وكما نحرص على احترام المسافات في الأماكن العامة، فلنحرص كذلك على احترام الحدود النفسية والاجتماعية والإنسانية للآخرين.
في العلاقات الراقية، لا حاجة لطرق الأبواب المغلقة، ولا مبرّر للقفز من النوافذ.
فأجمل العلاقات هي تلك التي تحترم المسافات، وتُقدّر الخصوصية، وتترك ما لا يعنيها بلباقةٍ ووعي.
كتبه الأستاذ
محمد بن حوران العنزي
 0
خدمات المحتوى
| تقييم
|