|
( سيد الشهور )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى وصلى الله على المصطفى وبعد
فإن الله عز وجل خلق الخلق لغاية عظيمة وحكمة جليلة ألا وهي العبادة قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
والله عز وجل جعل الدنيا مزرعة الآخرة , والشقي من شقي وهو في بطن أمه , والسعيد من وعظ بغيره .
وإن من لطف الله وإحسانه , وعظيم كرمه وامتنانه , أن جعل لهذه الأمة المرحومة مواسم للخيرات يتقربون بها إلى ربهم , تضاعف فيها الحسنات, وتعظم فيها الدرجات , وتجزل فيها الأعطيات , من هذه المواسم , شهر رمضان المبارك .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر فكان يقول \" آتاكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، فرض الله عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة ، و تغلق فيه أبواب الجحيم ، و تغل فيه مرده الشياطين ، و فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم\" صحيح الجامع 55.
شهر تقال فيه العثرات , وتجاب فيه الدعوات , وتسكب فيه العبرات , وتجزل فيه الأعطيات .
لقد رتب الله عز وجل على صيام رمضان إيماناً واحتساباً غفران الذنوب فقال صلى الله عليه وسلم \" من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه \" متفق عليه البخاري 2014, مسلم 760.
إيمانا بأن الله افترضه على العباد , واحتسابا للأجر والثواب من رب العباد ,
وأدهى من ذلك وأعظم , وأشد وأمر , من أدرك رمضان فلم يغفر له , فالبعد والخسارة والبوار على هذا الأبعد
فعن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \" احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه قال إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين \"
هذا الرجل الذي لم يغفر له حري أن يكون مفرطاً في الفرائض , مضيعاً للسنن , هاجرا للقرآن , متقفرا متابعا للمسلسلات الماجنة والهابطة .
لقد كان هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل هدي , وأحسن هدي , وافضل هدي , واعدل هدي , كان اجود الناس , وكان أجود مايكون في رمضان حينما يدارسه جبريل القرآن كان أجود من الريح المرسلة بالخير .
ولذلك ينبغي للعبد أن يكثر من تلاوة القرآن , فإن السلف الصالح كانوا يكثرون من قراءة كتاب الله عز وجل , فمنهم من يختمه في كل جمعة , فإذا أتى رمضان شمروا عن ساعد الجد حتى يختمه بعضهم كل يوم كما ورد عن الإمام البخاري يختم القرآن كل ليلة في رمضان , وكان الشافعي يختم كل يوم مرتين .
وإن مما ينبغي أن يحافظ عليه العبد في رمضان صلاة التراويح فقد رتب الله عليها الأجر العظيم ففي الحديث المتفق عليه \" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه \" .
وينبغي للعبد أن يحافظ على هذه التراويح ولا ينصرف قبل إمامه حتى تكتب له قيام لليلة كاملة , وليصبر ولا يتململ فإنها دقائق معدودة , بل الحياة كلها دقائق
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
وليعتبر بمن مضى , فإن في ذلك أعظم عبرة , فكم من رجل كان حاضرا معنا رمضان الماضي , يصلي التروايح , ويصلي القيام , ويقرأ القرآن , ويصوم مع المسلمين , أصبح رهين القبر , وكم من رجل كان يسابقنا إلى الخيرات طريحا في فراشه , يتمنى لو قدر أن يصلي مع الجماعة , ويسمع القرآن .
إن من الغبن الكبير الذي يغبن به كثير من الناس , متابعته لهذا السيل الجارف من المسلسلات الهابطة ,و الأفلام الماجنة , والسخرية التي لا تليق بمسلم , فإن هؤلاء ياعباد الله قطاع طريق , يقطعون الطريق بين العبد وربه, فاربأ بنفسك أن تكون رهينا لهذه الترهات , وهذه الملهيات المبعدات عن ربك , فإن هذه القنوات الفضائية وماتعرض فيه إنما هي تباعد بين العبد وربه , فالعبد يتقرب إلى ربه بالطاعات ويبعد عنه بالمعاصي.
كتبه
فارس بن مجزع العمار
إمام وخطيب جامع الفوزان
|
