لتوي بفضل الله انتهيت من ترجمة دراسة باللغة الإنجليزية بعنوان: تأثير العولمة على المناهج الدراسية في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية.. أبهرني ما تضمنته الدراسة من حرص شديد ووضع معالجات وبدائل للمحافظة على هذه اللغة من تيارات العولمة والانفتاح العالمي .. ما أبهرني في الموضوع أنني كنت ولا زلت اعتقد أن العولمة من أذرعتها الطيعة هي لغتها الإنجليزية الموسومة بلغة العصر، والتي غزتنا وغيرنا من دول العالم التي لم تكن اللغة الإنجليزية لغتها الأم...

يقودني ذلك إلى سؤال موجه لتلك الدول ومنها بعض الدول العربية التي سعت بكل ما منحها الله من قوى بل حولت بعضها مناهجها الدراسية وفي مراحل التعليم الأولى للغة الإنجليزية ، أقول لهؤلاء : قارنوا ما تفعلونه بما يقومون به في مجال الحفاظ على اللغة الأم لكم ولأبنائكم.. لعل التبعية تبدأ من هنا .. ولا أريد أن أقول الانسلاخ عن لغة القرآن الكريم ..

لقد علت أصوات تنادي بأهمية تعلم وممارسة اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الإنجليزية في السنوات الأخيرة باعتبارها لغة العلم في عالمنا المعاش.. وهو أمر طيب وتوجه جيد إذا كان هدفه وغايته في نفس المنحى ، يضاف إليه تعزيز التواصل الإيجابي مع شعوب العالم وإيصال رسالتنا لهم بكافة الوسائل الممكنة، في زمن تعاظمت قنوات التواصل والاتصال، وفتحت آفاق تعاونية وتكاتفية برزت فيها عمليات التأثير والتأثر بين المجتمعات المختلفة وعلى كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها..

أعيد وأكرر : تعلم اللغة الإنجليزية أمر ضروري وحاجة من الحاجات التي علينا أن نهتم بها لمواكبة كل منتج علمي كانت عنوانه ولغته، ولكنها ليست أساسا وركنا ومتطلبا إجباريا علينا جميعا لتحل مكان لغتنا وبأموالنا ورغبتنا..
لنعلم أنه وبقليل من المال والجهد والرغبة والوقت نستطيع أن نعلم أبناءنا وبناتنا اللغة الإنجليزية وبأساليب آمنة..
إلى الأبواق الساعية إلى تغريب أساساتنا وركائز مجتمعنا والتي ينظر كثير من منظريها إلى أن تعلم اللغة الإنجليزية مسألة بل قضية حياة أو موت ، والداعية لنشر الإنجليزية لتمسح عربيتنا أقول : تأكدوا أن هناك أولويات أهم .. ركزوا على جودة المنتج لا على لغته ، فاللغة لوحدها ليست مجال التميز في هذا العالم الذي تتضاعف محاور وعناصر التنافس لارتياد قممه، إن بناء الإنسان ليصنع مجد الأوطان هو الأساس والمطلب لمجتمع لن تكون عزته إلا بإعزازه لدينه واعتزازه به.

ولكم في بعض الدول المتقدمة سياسيا واقتصاديا وعلميا وفي بعض النواحي الاجتماعية أنموذجات حية: كألمانيا وفرنسا واليابان لتستفيدوا منها في هذا المجال ..
يذكر لي عميد في إحدى جامعاتنا أنه قبل فترة كان ضمن وفد من عمداء يمثلون عددا من الجامعات السعودية في زيارة لليابان .. ويؤكد أن من ضمن ما لفت انتباهه في تلك الزيارة الضعف الواضح لكثير من العلماء وأساتذة الجامعات اليابانية في اللغة الإنجليزية .. وفي نهاية الرحلة تقدم بسؤال لمن يرافقهم من المسؤولين في البلد المضيف عما لاحظه وزملاؤه فرد ذلك الياباني بقوله : يعود ذلك إلى سببين
الأول أن الجميع هنا يتعز بلغته ويعتبر التحدث بغيرها دون حاجة إنما هو عيب وعار ..
الثاني : لدينا قوة في ترجمة كل جديد في مجال العلم وفي كل التخصصات ..

إلى أولئك أعود لأقول : كفانا خزيا وعارا وتركيزا على شكلية وتبعية عمياء بلا هدف ..
أخوكم محب اللغة العربية والمقصر بحقها .. حفظكم الله وحفظ لنا ولكم لغتنا الشامخة، وحفظ لنا ديننا وثوابتنا الأصيلة غير المزيفة بزيف كثير من بريق يروجه تجار بلا تجارة رابحة لعالم مظلم .