كان يا ما كان في قديم الزمان ، مملكة يعيش الجميع فيها بأمن وأمان ،وكان هناك فارس يملك جوادان أصيلان ، الأول: قادحاً قد ورثه عن أبيه ويشكو دائماً من المغص بسبب تغيّر الروتين، فلم يستطع مقاومة التغيير ،لأنه بدأ بفقدان فارسه ولاحظ ابتعاده عنه ببقاءه في الإسطبل كثيراً، وأما الجواد الثاني: فكان مهراً جامحاً موسوماً وكثيراً ما يتباها به فارسه ،ولكن هذا الحال لم يُعجب الجواد الأول ،بحكم العمر الذي قضاه مع الفارس، وكيف له أن يتقبّل هذا الوضع الجديد ، فلم يستطع الاقتناع بأن عزائمه قد خرّت وأن آن الأوان لغيره بالنهوض ، خصوصاً في وقت فيه الجياد الجامحة مطلوبة، فقرر أن يثبّط الجواد الثاني ليكون قاعداً مثله، ولا يسبقه فيما لم يفعله أو ما ينجزه لتقدمه بالعمر ،وفي يوم أتى الفارس بجواده الثاني عائداً متباهي بما قدمه أمام الناس كعادته، ومروراً من أمام الإسطبل ،رأى الجواد الأول هذا المنظر، فلم يتمالك نفسه وأخذ يقبع ثم اهتزم، فألتفت الفارس إليه، وإذا بالجواد الأول يرسل أذنيه للخلف ويقلب عينيه، فتحرك الفارس نحوه مُبتسم وهو عارف ماذا يريد بهذه الإشارات ، فأظهر له الاحترام ومد يده إلى خده وامسك بناصيته ثم أقترب لرأسه وأخذ يتحدث معه وكأنه يتحدث مع شخص آخر، فهدأ الجواد الأول وخفض رأسه.

وفي اليوم التالي كان الجواد الثاني قد رأى فارسه يتوجه إلى الإسطبل وأخرج الجواد الأول فذهب معه ،وهو يعلم أنه لن يقدم شيء ،ولكن استرضاء له ومكرمةً لأبيه المتوفي، وبقي الفارس على حاله مع الجواد الأول ،تاركاً خلفه جواداً جموحاً في مقتبل العمر قد يكسبه الكثير بنشاطه، ولكن المجاملة والاسترضاء طغت على فكر الفارس.
وفي يوماً من الأيام سيكون الجواد الثاني حراً لا يُروضّ ويستعصي على الجميع .

بسام المفلح